لحياة اليومية مليئة بالمواقف التي يتعلم منها طفلك وأنت لا تشعرين، وهو إذ يتعلم يكون ذلك وفقاً لما يشاهده من سلوك الوالدين الذين يمثلان بؤرة الاهتمام ومناط التقليد لطفلهما. وأول ما قد يتعلمه الطفل هي الابتسامة التي يتعلمها بمشاهدة وجه الأم وقت الرضاعة. وفي المراحل الأولى تتحكم العوامل البيولوجية للطفل في الكثير من سلوكياته. فمثلاً قد تمر الأم بفترة عصبية معينة، تنتقل إلى الطفل من خلال التغير الذي يطرأ على كيميائية اللبن الذي يتغذاه الطفل الرضيع. ولذا فإن على الأم أن تحاول المحافظة على ابتسامتها أطول فترة ممكنة أمام طفلها إذا أرادت أن تعلمه كيف يبتسم.
وتتطور الأحداث وينمو الطفل، ويبدأ في دخول مرحلة التعبير عن احتياجاته، ويقل بالتدريج اعتماده السلوكى على المؤثرات البيولوجية، وهو ما يمثل الدخول في المرحلة الإنسانية الكاملة، ويتحول إلى المؤثرات الاجتماعية بشكل تصاعدي. وكلما أحس الطفل بتنامي أهميته في عملية التفاعل الأسري، كلما اتجه أكثر إلى تعميق هذا الإحساس وتأكيده، فتصبح الحاجة الاجتماعية عنده حاجة أساسية لابد من حصوله فيها على الإشباع الكامل. وهنا قد يلجأ الطفل إلى افتعال المواقف التي تضعه في بؤرة الاهتمام عندما يكون هناك ما يهدد نصيبه من اهتمام الأسرة. وهو بالطبع يلجأ إلى ذلك كله بشكل لاشعوري.
البكاء المستمر – ما لم يكن لأسباب صحية هو دليل على نقص إشباع الحاجة الاجتماعية لدى الطفل، وحاجته إلى مزيد من الاهتمام، ونعني هنا الاهتمام المعنوي وليس المادي. فأية لعبة فردية تمنح للطفل سوف يلقي بها بعد لحظات ويعود للبكاء والعصبية وربما التشنجات في بعض الأحيان. ويتوقف الكثير من تشكيل سلوكيات الطفل في هذه المرحلة على رد فعل الوالدين تجاه مثل هذه المواقف المتكررة من العناد الشديد والبكاء المستمر والمتكرر. فهناك من الآباء من ينزعون إلى اختيار الحلول السهلة دون التعمق في نفسية الطفل ومحاولة فك الشفرة السلوكية له ومعرفة الدوافع الحقيقية وراء سلوكياته سواء الطبيعية منها أو غير الطبيعية. ويكون ذلك بتبني سياسة الموافقة المفتوحة على كل ما يطلبه الطفل، وهو إذ يطلب ذلك أو ذاك إنما يحاول أن يلفت انتباه الأبوين ليحصل على مزيد من الرعاية الاجتماعية، وربما أن ما تحققه تلك الأشياء التي يتعلق بها لا يمثل قدراً كبيراً مما يبحث عنه من إشباع على المستوى الاجتماعي. وفي الحقيقة فإن أحداً لايمكنه أن يخدع احتياجات الطفل، خاصة الاجتماعية منها.
ولا تكون محصلة ذلك السلوك من الأبوين غير اكتساب الطفل لقاعدة، وهي أنه يمكنه الحصول على كل شيء يريده بالبكاء، وتتفاقم المشكلة وتترسخ انطباعات سلبية تنتج عنها عادات سلوكية سلبية تؤثر على مدى استعداده للاستقلالية والاعتماد على الذات فيما بعد. وقد ينشأ من جراء ذلك شخصٌ كثير الشكوى والضجر، يميل إلى التعميم والاختزال، ويعتمد على الإسقاط في محاولته لتبرير أخطائه والتنصل من المسؤوليات، والتنحي عنها. وهو ما يؤثر على مستقبله الاجتماعى وكفاءته المهنية، فضلاً عن تهديد صحته النفسية.
من أجل ذلك فإن إشباع الحاجة الاجتماعية للطفل، وإعطائه المساحة الكافية للتوافق الاجتماعي والتفاعل الأسري والحفاظ على نصيبه من وقت الأسرة، هو أساس التقويم السلوكي لعملية البكاء المستمر والمتكرر بلا أسباب واضحة، بفرض عدم وجود اضطرابات صحية.
منقول