_ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد :
_ فإن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له
من أولهم نوح إلى أن ختم الرسل بمحمد – صلوات الله وسلامه عليهم –
قال الله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/25) ،
وقد حذر الله – سبحانه وتعالى – من الشرك تحذيرا عظيما فقال جل شأنه: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء/48) ،
وقال تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ) (الزمر/65)،
_ والشرك أنواع متعددة منها الشرك البدني ومنها الشرك القلبي ومنها الشرك اللفظي.
_ وسنركز – إن شاء الله – في هذه الرسالة عن الشرك اللفظي
والشرك اللفظي له صور وأشكال سنذكر منها :
الحلف بغير الله .
_ وسنورد الأدلة على تحريمه من الكتاب والسنة والإجمال وأقوال أهل العلم
ثم نذكر بعض الأمثلة لكي يتنبه المسلم من أن يقع في الشرك وهو لا يعلم
_ نسأل الله أن ينفع بهذه الرسالة ويجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه سميع مجيب.
_ الأدلة من الكتاب :
_ فمن أدلة تحريمه من الكتاب قوله تعالى (فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/22)
وقال الصحابي الجليل ابن عباس – رضي الله عنهما – في تفسير الآية :
" الأَنْدَادُ : هُوَ الشًّرْكُ ، أَخْفَى مِنْ دبِيب النَّملِ على صَفًاة سوْدَاء في ظُلمَةِ اللَّيْل . وهو أن تقول : وَ اللهِ وَحَيَاتِك يَا فُلان ، وحَيَاتِي . و تَقُول لوْلا كُلَيْبَةُ هذا لأَتَانَا اللّصوصُ .، وقول الرجل لصاحبه : ما شاء الله وشئت ، وقول الرجل : لولا الله وفلان ، لا تجعل فيه فلانا ، هذا كله به شرك".
ومما يدل على قول ابن عباس حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا ما شاء الله ثم فلان) (رواه أحمد وصححه الألباني).
_ وقال الإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ :
بين ابن عباس رضي الله عنهما أن هذا من الشرك وهو الواقع اليوم على ألسن كثير ممن لا يعرف التوحيد ولا الشرك فتنبه لهذه الأمور .
_ وقد قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه (لئن احلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا)
_ ومن المعلوم أن الحلف بالله كاذبا من الكبائر ، لكن الشرك أكبر من الكبائر وإن كان شركا أصغر".
وقال ابن تيمية – رحمه الله – عن قول ابن مسعود : (وذلك لأن الحلف بغير الله شرك ، والشرك أعظم من الكذب).
_ الأدلة من السنة:
والأحاديث الدالة على تحريم الحلف بغير الله كثيرة سنذكر بعضا منها وهي:
(1) عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن الرسول صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الآ إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت) (متفق عليه).
(2) عن بريدة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من حلف بالأمانة فليس منا) (رواه أبو داود وصححه الألباني).
(3) عن ابن عمر – رضي الله عنهما – إنه سمع رجلا يقول : والكعبة ، فقال ابن عمر: (لا يحلف بغير الله ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) (رواه أبو داود وصححه الألباني).
_ الإجماع وأقوال أهل العلم:
_ قال الإمام ابن عبد البر : (لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع)
وقال الإمام حسين بن غنام ، وهو من أئمة نجد : (لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع) ،
وقال الماوردي : (لا يجوز لأحد أن يحلف أحدا بغير الله ، لا بطلاق ولا نذر وإذا حلف الحاكم أحدا بذلك وجب عزله).
وقال الشيخ / محمد الحمود النجدي ، والشيخ / فلاح إسماعيل مندكار: (الحاكم الذي يقصده الإمام الماوردي هو القاضي)
قال سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز : (لا يجوز الحلف بالكعبة ولا بغيرها من المخلوقات ، لقول النبي - صلى الله
عليه وسلم- : (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ،
***
_ والأحاديث في ذلك كثيرة وفيها يعلم : تحريم الحلف بالكعبة ، والأمانة ، والأنبياء ، وغيرهم من سائر الخلق .
_ وقال الشيخ / ابن عثيمين: الحلف بغير الله أو بغير صفة من صفاته محرم ، وهو نوع من الشرك .
_ وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال واللات والعزى فليقل ( لا إله إلا الله) ، وهذه إشارة إلى أن
الحلف بغير الله شرك يطهر بكلمة الإخلاص "لا إله إلا الله").
الحلف بغير الله تعالى
_ وهو من أنواع الشرك الأصغر :
_ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يُحلف بغير الله، فإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حلف بغير فقد كفر أو أشرك))
قال ابن تيمية: "والحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد،
وقد حكي إجماع الصحابة على ذلك.
وقيل: هي مكروهة كراهة تنزيه، والأول أصح، حتى قال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر: (لأن أحلفَ بالله كاذباً أحبّ إليَّ من أن أحلف بغير الله صادقاً)، وذلك لأن الحلف بغير الله شرك، والشرك أعظم من الكذب"[2].
وقال سليمان آل الشيخ: "قوله: ((فقد كفر أو أشرك)) أخذ به طائفة من العلماء فقالوا: يكفر من حلف بغير الله كفرَ
شرك، قالوا: ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه بقول: لا إله إلا الله، فلولا أنه كفرٌ ينقل عن الملة لم يؤمر بذلك.
وقال الجمهور: لا يكفر كفراً ينقل عن الملة، لكنه من الشرك الأصغر، كما نصّ على ذلك ابن عباس وغيره، وأما كونه
أمر من حلف باللات والعزى أن يقول: لا إله إلا الله، فلأنّ هذا كفارة له مع استغفاره، كما قال في الحديث الصحيح:
((ومن حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله))، وفي رواية ((فليستغفر))، فهذا كفارة له في
كونه تعاطى صورةَ تعظيم الصنم، حيث حلف به، لا أنه لتجديد إسلامه، ولو قُدّر ذلك فهو تجديد لإسلامه لنقصه بذلك لا
لكفره، لكن الذي يفعله عبّاد القبور إذا طلبت من أحدهم اليمين بالله أعطاك ما شئت من الإيمان صادقاً أو كاذباً، فإذا
طلبت منه اليمين بالشيخ أو تربته أو حياته ونحو ذلك لم يقدِم على اليمين به إن كان كاذباً، فهذا شرك أكبر بلا ريب، لأن
المحلوف به عنده أخوف وأجلّ وأعظم من الله، وهذا ما بلغ إليه شرك عبّاد الأصنام، لأن جهد اليمين عندهم هو الحلف
بالله كما قال تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِ?للَّهِ جَهْدَ أَيْمَـ?نِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ?للَّهُ مَن يَمُوتُ} [النحل:38]"[4].
_ تنبيــــــه :
_ يقول بعض الناس : إنني لا أقصد أن أعظم المحلوف به ولكن جرى على لساني، نقول وبالله التوفيق :
_ قال الإمام حسين بن غنام : (ومن حلف بغير الله معظما له تعظيم العبادة فقد أجمع أهل الإسلام على كفره وإن لم يقصد ذلك صار كفرا دون كفر)،
_ وقال الإمامان حسين وعبد الله أولاد الإمام محمد بن عبدالوهاب – رحمهم الله جميعا : (الحلف بغير الله من أنواع الشرك الأصغر وقد يكون شركا أكبر بحسب قائله ومقصده ، فإذا حلف بغير الله جاهلا أو ناسيا فليستغفر الله ، وليقل لا إله إلا الله ، كما ثبت في الحديث الصحيح).
الأمثلة :
_ وأما الأمثلة على الحلف بغير الله التي درجت على ألسنة كثير من الناس فكثيرة وسنذكر بعضا منها ،
وهي : (بحياتي – بشرفي – بالشارب – بالسماء – برأس عيالي – بذا النعمة – بالكعبة – بالعون)
و كذلك ( وحياتي, وحياة ابوك, والنبي, سايق عليك ربنا, سايق عليك النبي, والعيش والملح, وراس ابوك, وشبكة العشرة ... الخ)
_ قال الشيخ محمد بن ابراهيم في فتاواه: إن الحلف بالعون حلف بغير الله) بالأمانة (أما إن كان يقصدان هذا الشيء تحت أمانتي فلا بأس بها إن شاء الله)
وكذلك بذمتي (إن كان يقصد بها حلفا فذلك شرك ، وأما إن كان يقصد أن هذا الشيء تحت ذمتي فلا بأس بها إن شاء الله).
وهذا رابط ننصح به :
حكم الحلف بغير الله
_ الحلف بغير الله أو بغير صفة من صفاته محرم وهو نوع من الشرك ولهذا قال النبي، صلي الله عليه وسلم:
(( لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت)) وجاء عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
(( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم، وثبت عنه ، صلى الله عليه وسلم ، أنه
قال : (( من قال واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله )) وهذا إشارة إلى أن الحلف بغير الله شرك يطهر بكلمة الإخلاص لا إله إلا الله .
وعلى هذا فيحرم على المسلم أ ن يحلف بغير الله – سبحانه وتعالى – لا بالكعبة، ولا بالنبي، صلى الله عليه وسلم، ولا بجبريل ، ولا بولي من أولياء الله، ولا بخليفة من خلفاء المسلمين، ولا بالشرف، ولا بالقومية، ولا بالوطنية كل حلف بغير الله فهو محرم وهو نوع من الشرك والكفر.
_ وأما الحلف بالقرآن الكريم فإنه لا بأس به، لأن القرآن الكريم كلام الله – سبحانه وتعالى – تكلم الله به حقيقة بلفظه مريدًا لمعناه وهو – سبحانه وتعالى – موصوف بالكلام ، فعليه يكون الحلف بالقرآن الكريم حلفًا بصفة من صفات الله – سبحانه وتعالى – وذلك جائز.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
مصدر الفتوى: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين - (ج 2/ ص 217 ـ 218) [ رقم الفتوى في مصدرها: 281]
******
وقد سأل الشيخ عبد الرحمن السحيم عن صحة حديث
الرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)
مع ان هناك رواية اخرى : ( من حلف بغير الله فقد أشرك )
فأجاب كليهما صحيحه والله اعلم
مشكاه ..
وفي الختام:
_ فلنطهرألسنتنا من كل ما يغضب الله – عز وجل – ولنحرص على مراقبة الله
ولنجعل أقوالنا وأعمالنا موافقة للشرع المطهر ولنبتعد عن كل قول أو فعل يجلب لنا
سخط الرب وعقابة لكي نفوز بجنة
عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا إمام المتقين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.