من باب التدبر في آيات القرآن الكريم ست أثارات أحاول عرضها بشكل مبسط وسلس ..
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتــــَب
بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم )[1]
من باب التدبر في آيات القرآن الكريم ست أثارات أحاول عرضها بشكل مبسط وسلس ..
الاثارة الاولى : الظن أمر قلبي, فدفعة أو إيجاده ليس إرادي فكيف أن الآية تنهى عنه, لذلك لم يقــل
لا تظنوا فلم يأتي بالنهي المباشر لأنه لا إرادي بخلاف التجسس أو الغيبة فهما إراديان
في الدفع والإيجاد. فمن الممكن القول بأن الآية تنهى عن خصوص الظن الذي يترتـب
عليه أثر وهو الظن الذي يدفعك للتجسس وليس مطلق الظن لأنه لا إرادة في ايجـاده
حتى نُخاطب بدفعه. ولعله إشارة أيضاً الى النهي عن مقدمات الظن وهي الإحتمالات.
قال النبي صل الله عليه وآله ( أحمل أخاك المؤمن على سبعين محمل من الخير )
والآن انعكس مفهوم هذا الحديث الى _ سبعين محمل من الشر _ فإن نجى من الأول
فلا ينجو من الرابع ... والعاشر الخ .
الاثارة الثانية : العجيب في الآية أنها تأمر بالاجتناب عن الكثير من أجل ماذا؟
( اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ ) لماذا؟ لأن ( بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )
وهذا دليل على أن الظن هنا أمر خطير لأنه كلما عظم الخطر تشدد الإحتياط .
الإثارة الثالثة : الآية لم تقل ( أن بعضه أثــم ) وانما قالت ( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )
الاثارة الرابعة : الترتيب في الايه جاء بصورة في غاية الاتقان الظن / التجسس / الغيبة
ثلاثة جاءت في الآية بناءا على الوضع الطبيعي فالذي يظن ظناً معين فلا بد أن يتحقق
عن مدى صحته وذلك بالتجسس ثم يغتب , والغيبة لا تكون غالبا إلا بعد التحقق.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّن الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب
بَّعْضُكُم بَعْضًا) قال النبي "صل الله عليه وآله" : ( اذا ظنننم فلا تتحققوا ) .
الإثارة الخامسة: الفرق بين قوله تعالى( تجسسوا) و (تحسسوا) في سورة يوسف. والفرق واضح بينهما
في الرسم بالنقطة تحت الحاء (تجسس- تحسس) ولعل الفرق في المعنى من ثلاث جهات :ـ
الجهة الأولى : الغرض، فالتجسس تأتي للأغراض السيئة أما التحسس فتأتي للأغراض النبيلة .
الجهة الثانية: الأسلوب، فالذي يتجسس غالبا ما يتمادى في الخوض في خصوصيات غير مكلف بالإتيان بها. أما الذي يتحسس فإنه يراعي الحدود التي كلفوه بها .
الجهة الثالثة: الهيئة , أن التجسس يأتي في الأمور الخفية أما التحسس فيأتي في الأمور الظاهر
ألا ترى إلى قول يعقوب (ع) لأبنائه(يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ
وَأَخِيهِ)[2] .
الإثارة السادسة: بما أن الآية في مقام إيصال معنى مقزز فناسب (مَيْتـًا) ولم يناسب ميتــا ولعل ذلك لبيان أمرين:
الأمر الأول : أن تعبير (ميت) يمكن أن يأتي لبيان القوة وليس شرطا للفعلية، أما (مَيْتـًا) لا يكون إلا للفعلية دون القوة, وهذا أظهر للجو العام للاية .
الأمر الثاني : أن الميت لا ينمو العضو المبتور منه أو يلتئم المتضرر منه فالايه كأنها لبيان ان
المغتاب لا يترك بمجرد الإستغفار. لقول الإمام الصادق "عليه السلام" الظلم ثلاثة فظلم
لا يغفر وظلم لا يترك إلى أن قال "عليه السلام" فأما الذي لا يترك فظلم العباد .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة الحجرات رقم 49 آية 12 .
[2] سورة يوسف رقم 12 آية 87